GuidePedia

0

مصطفى رابي : مفتش في التوجيه التربوي

يعيش التلميذ(ة)  داخل المؤسسة التعليمية حياة مدرسية  يمكن حصرها داخل  دائرتين مؤثرتين في مستقبله الدراسي والمهني والحياتي:،تنحصر الدائرة الأولى داخل الفصل، حيث يتم التفاعل مع المدرس و الأقران والأنشطة الصفية المبرمجة ، ويتميز هذا التفاعل بنوعية التدخلات التي ينسجها المدرس معه خلال عملية التعلم والتقويم، وبنوعية مضمون الأنشطة المبرمجة  وكذلك بالعلاقات التفاعلية مع الأقران.
 وتعتبر هذه التفاعلات، من بين المحددات الأساسية المتعلقةبالاختيارات المستقبلية. فإذا كانت  تستحضر  البعد التوجيهي، وتمكن من تنمية الفضول المعرفي والاستكشافي المرتبط بالمستقبل والمتشبع بالفكر النقدي  الذي يفضي إلى اتخاذ قرارات موضوعية  تستحضر الواقع والافاق. فذلك هو المطلوب اليوم للخروج من الأزمة.
وينحصر تأثير الدائرة الثانية خارج الفصل وداخل المؤسسة التعليمية من خلال العلاقة مع إدارة المؤسسة و الأنشطة الداعمة المبرمجة واليات تصريفها، إضافة إلى نوعية فضاءات المؤسسة ومساهمات المدرسين والتلاميذ في  تفعيل هذه الأنشطة. ويعتبر هذا التأثير أيضا من المحددات التي تساهم في صقل وتعزيز مواهب التلاميذ والتلميذات وإبراز ذكاءاتهم المتعددة التي يمكن استثمارها في المساعدة على التوجيه المدرسي والمهني.
نستنتج من خلال ما سبق ذكره بتركيز شديد، أن مجال التوجيه المدرسي والمهني يستوعب حياة التلميذ المدرسية، بمختلف عناصر تأثيرها، ويمتد أفقيا عبر مضمون أنشطتها وتفاعلاتها، مما يستدعي بل يستوجب اعتبار هذا المجال طيف الحياة المدرسية بجميع ألوانها.
ففي سياق صخب الحديث عن أزمة منظومة التربية والتكوين، وسيرورات الإصلاحات  التي كانت تدعي ولا تزال تقديم وصفة العلاج، عرف مجال التوجيه المدرسي والمهني،  عدة محطات إصلاحية لعل أبرزها بشهادة الفاعلين في المجال، هي محطة المخطط الاستعجالي والمشروع E3P7، الذي ركز أساسا خلال تدابيره التنزيلية على العلاقة الأفقية داخل الحياة المدرسية أو المقاربة التربوية للتوجيه، فرسم لذلك خطا عموديا متواصلالتكريس هذه المقاربة انطلاقا من وكالة وطنية للتوجيه- بوابة  وطنية للإعلام  والمساعدة على التوجيه- مراكز جهوية للإعلام والمساعدة على التوجيه- مراكز إقليمية للإعلام والمساعدة على التوجيه حيث أنيطت بها مهام أساسية تتجلى في إنتاج وثائق الإعلام وتوثيقها وفتح شبابيك للإعلام المدرسي والمهني والجامعي، وتخصيص فضاءات للإستشارة وإجراء المقابلات الفردية مع التلاميذ ومع الاباء والأمهات والأولياء...- كما تم إحداث فضاءات للإعلام والمساعدة على التوجيه داخل المؤسسة التعليمية، وهي سابقة في مجال إصلاح منظومة التوجيه. وإيمانا بالعلاقة الأفقية والمقاربة التربوية للتوجيه المدرسي والمهني داخل الحياة المدرسية تم تكوين عدد كبير من المدرسين والإداريين الذين كانت لديهم تمثلات خاطئة حول التوجيه تم تصحيحها بل أسست هذه العمليةلتصور جديد لديهم وأكدت على الحاجة لتكوين كل الفاعلين في الحياة المدسية في هذا المجال لما له من دور محدد وحاسم في اختيارات المتعلمين والمتعلمات المستقبلية، وخلق الحافزية لديهم للتعلم.
إضافة لهذه الإجراءات الإصلاحية تم إنتاج دلائل وكراسات مهمة تنتظر مصادقة الوزارة، بدءا بكراسات تنمية الحس المقاولاتي و كراسة المشروع الشخصي لتلميذ المستوى السادس ابتدائي ودليل أنشطة الإعلام والمساعدة على التوجيه وانتهاءا بحقيبة المتعلم التي يمكن أن تصبح من بين أدوات تقويم مردوديته والحسم في اختياراته.
ومن الإجراءات النوعية التي كادت أن ترى النور الذي انطفأ بغتة، نذكرعملية إرساء التوجيه النشيط الذي كان يرنو ربط الجسور بين السنة الختامية للسلك الثانوي التأهيلي والسنة الأولى بمؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المفتوح، وعشنا خلال هذه الفترة علاقات تنسيقية وتواصلية بين أطر التوجيه وأساتذة مؤسسات التعليم العالي قل نظيرها اليوم.
بالإضافة إلى إجراءات أخرى مهمة كتزويد أطر التوجيه بوسائل العمل، وتنظيم لقاءات وطنية قدمت خلالها تجاريب دولية بينت بأن هذا المشروع كان واعدا مقارنة بتجاريب دولية أخرة، وهنا لابد أن نستحضر الدور المتميز و الفريد من نوعه وبشهادة جميع أطر التوجيه  لمدير الوحدة المركزية للإعلام والتوجيه وطاقمه النشيط، هذه الوحدة التي أقبرها وزيرالتربية الوطنية السابق وأقبر معها حلم إصلاح منظومة التوجيه.
واليوم ونحن بصدد محطة إصلاحية جديدة  لقبت  بالتدابير ذات الأولوية، والتي تعتبر نتاجا لمحطات تشاورية مع الفاعلين في الحياة المدرسية، وانسجاما مع الإمتدادات الأفقية للتوجيه  السالفة الذكر، وانطلاقا من مضمون هذه التدابير التي خصصت للتوجيه المدرسي والمهني فضاء أرحب، لابد لمصلحة التوجيه المركزية، أن تقف عند التراكمات السابقة لأنها لازالت ذات راهنية وتعمل على تحصينها من خلال خلق بنيات قوية وتحديد أدوار جديدة مناسبة للوضعية الحالية، وتكريس المقاربة التربوية للتوجيه المدرسي والمهني وجعل أطر التوجيه فاعلين ومؤطرين للحياة المدرسية، لأن الوضعية الحالية تستدعي سؤال الجدوى وتقديم الجواب الشافي الذي يقدم الإضافة الإجابة والنوعية للمنظومة تماشيا مع رؤية 2030.
فعوض الاستمرار في التفكير في الوكالة الوطنية  أو المديرية المركزية، أو تسطير اقتراحات صعبة التنزيل والتكلفة، يمكن التفكير كمرحلة أولى في إحداث مركز وطني للإعلام والتوجيه المدرسي والمهني، وإلحاقه بمديرية الارتقاءبالحياة المدرسية  ويكون مديره بمثابة رئيس قسم، ويتوفر على مصلحتين: مصلحة إدارية تتتبع مركزيا التدبير الإداري للتوجيه المدرسي والمهني و مصلحة خدماتية تعنى بالتدبير الخدماتيللتوجيه المدرسي والمهني.
على المستوى الجهوي تفعيل وتوسيع المراكز الجهوية للإعلام والمساعدة على التوجيه المدرسي والمهني، يكون مدراؤها بمثابة رؤساء مصالح تابعين لأقسام تدبير الحياة المدرسية، وتتوفر على مكتب للتدبير الإداري ومكتب للتدبير الخدماتي للتوجيه المدرسي والمهني.
وعلى المستوى الإقليمي تفعيل وتوسيع المراكز الإقليمية للإعلام والتوجيه المدرسي والمهني تابعة لمصالح تدبير الحياة المدرسية ويكون مديرها بمثابة رئيس مكتب وتتوفر على وحدتين: وحدة للتدبير الإدارى ووحدة للتدبير الخدماتي.
بالنسبة للمستوى المحلي أي المؤسسة التعليمية، توسيع وتفعيل أنشطة فضاءات الإعلام والتوجيه المدرسي والمهني، من خلال انفتاحها على مختلف الأنشطة الداعمة والمندمجة بما فيها أنشطة مشاريع المؤسسات.
على ضوء هذه الاقتراحات، يمكن أن يفتح نقاش وطني توافقي حول أدوار ومهام أطر التوجيه على ضوء النظام الأساسي المقبل.
في الأخير هذه فقط اقتراحات، حاولت من خلالها رسم معالم إصلاح هذا المجال الذي تكالب عليه المتكالبون، وتدخل فيه الفضوليون من خارج المنظومة التربوية، فظهرت زلاتهم وبدوا لنا نحن المتخصصون في المجال في شكل ممسوخ، رغم ما توفر لديهم من فضاء ووسائل و لدي قناعة راسخة بأن هذا المجال لا يمكن إصلاحه سوى من خلال بنيات إدارية وخدماتية مركزيا، جهويا، إقليميا ومحليا، يتم تدبيرها من طرف أطر التوجيه فقط، وبنيات خدماتية يتم تفعيلها من طرف كل الفاعلين التربويين ولكن بتأطير ومصاحبة من لدن أطر التوجيه فقط، واليعلم صانعوا القرار بأن إصلاح منظومة التوجيه المدرسي والمهني مدخل أساسي لإصلاح منظومة التربية والتكوين.

إرسال تعليق

 
Top