* مصطفى رابي مفتش في التوجيه التربوي
من أهم الأدوار المنوطة بالمدرس هي المساهمة من خلال الأسلوب التعليمي في مساعدة المتعلم على بناء شخصية متوازنة بمختلف أبعادها الجسدية والنفسية والعقلية والروحية والاجتماعية، ليمتلك القدرة على التكيف مع إكراهات حاضره وتحديات مستقبله، وبلوغ حياة يتوفر فيها الهدوء النفسي، والأمن الاجتماعي وتتحقق فيها طموحاته في الدور الذي يريده ويرغب فيه.
ولكي ينجح المدرس في تقديم هذه المساعدة، والتوصل إلى هذا الهدف الكبير، والذي تسهم فيه بشكل أساسي العملية التربوية من محيط دراسي ملائم، وأهداف مدروسة، ومناهج مناسبة، ومقررات جيدة، وأساليب ووسائل حديثة، وموارد بشرية قادرة على توظيف هذه العناصر في خدمة الهدف المرسوم.
لابد من اختيار أسلوب تعليمي يرسمه المدرس على شكل خطة تعكس ممارسته داخل الفصل أو خارجه، وتمكن من خلق مناخ يشجع ويحفز المتعلم، ويذكي فيه الرغبة في المشاركة الفعلية، وتساعده على اكتشاف المعرفة المطلوبة بأقل كلفة( في أقصر وقت و أقل جهد)، بحيث يصبح قادرا على توظيف هذه المعرفة لينجح في دراسته و ليستثمرها في حياته.
و يصنف الأسلوب التعليمي إلى صنفين: صنف يركز على محورية المدرس وسلبية المتعلم، كأسلوب المحاضرة والإلقاء والتلقين وحشو الذهن بالمعارف والحقائق والمفاهيم الجاهزة، حيث يقوم المدرس بتحضير الموضوع الدراسي، ويقدم المعلومات، ويقترح الوسائل، ويجري التجارب، ويكشف الحقائق، وتلقى مشاركة المتعلم ضعيفة وغير متفاعلة بما فيه الكفاية.
وهناك أسلوب يركز على محورية المتعلم وسلبية المدرس، هذا الأسلوب له مجموعة الطرق: الطريقة الاستقرائية، طريقة حل المشكلات، طريقة المناقشة الجماعية، لعب الأدوار، العمل بالفريق أو بالمجموعات، فالمدرس هنا يمارس دور المساعد والموجه والمنشط والميسر والمشرف، بينما ينكب المتعلم على الملاحظة والبحث والتجربة والتحليل والمقارنة ثم الاكتشاف والاستنتاج، فالصياغة.
إن أفضلية الأسلوب التعليمي تكمن في حجم الدور المنوط بالمتعلم، فكلما توسع هذا الدور، كلما كان الأسلوب أفضل وأحسن.
وترتبط الطريقة التعليمية بنوعية الموضوع التعليمي وخصوصيته، ومهما يكون، فسؤال الأسلوب التعليمي المطروح هو: ما مدى انعكاس الأسلوب الذي تم اختياره على شخصية المتعلم؟
فأسلوب المحاضرة، هو أسلوب تقليدي تلقيني، يفرض سلبية المتعلم، وإيجابية المدرس، بحيث يتلقى المتعلم المعرفة دون بدل الجهد، وبدون أن يكون له دور في اكتشافها أو بنائها أو نقدها، فيكتفي بخزنها وحشوها في ذاكرته، لإفراغها عند امتحان كتابي أو شفوي، وبناء عليه يتحقق له النجاح أو الرسوب.
وهذا من شأنه أن يساهم في بناء شخصية اتكالية، مترددة، غير واثقة، تقبل إملاءات الاخرين من دون أن تمتلك القدرة على الحوار والتحليل والنقد، وتسجيل الموقف، فيتدرب المتعلم على ترديد أقوال الكبار، وطروحاتهم، من دون أن يكون له رأي مستقل يعبر فيه عن شخصيته الذاتية، وقناعاته الفكرية، بحيث يصبح مقلدا ماهرا، يفتقر إلى المبادرة والابداع، مكتفيا بآراء الآخرين، خصوصا إذا كانوا يتمتعون بشخصية جذابة ومؤثرة، فيتحول إلى كائن ضيق الأفق، متعصب، نمطي، عدواني في تأكيد وجهة نظره، وإقصائي مع من يختلف معه في الرأي.
أما أسلوب العمل بعقلية الفريق، أو بالمجموعات، والذي يتمحور على إيجابية المتعلم، بإشراف ثانوي من المدرس، فهو ينبني على تكوين مجموعات مصغرة من المتعلمين، من أجل معالجة موضوع دراسي مرتبط بالمنهاج لاكتشاف قانون أو مفهوم، أو للتوصل إلى معارف و أفكار محددة، سواء كانت أدبية، علمية، اجتماعية أو فنية،وتتطلب هذه المعالجة ملاحظة نماذج، والبحث في مصادر، ومعالجة المشاكل، وافتراض حلول، وتحليل لمعارف، وإجراء تجارب، واستنتاج قوانين، وغيرها من مستلزمات التعلم الذاتي، بحيث تتوزع الأدوار، فيمارس كل فرد بما كلف به من دور، وما حمل من مسؤولية.
ولعل من أهم إيجابية هذا الأسلوب أنه:
• يثير في المتعلم الفضول العلميوحب الاستطلاع، والشعور بالمسؤولية، والثقة بالنفس، والاعتماد على الذات، وتقبل النقد؛
• يعزز فيه القدرة على التعلم الذاتي، والنشاط الفردي؛
• يساعده عل تعديل سلوكه؛
• يتعلم المنهج العلمي في حل مشاكله الحياتية؛
• يدربه على التخطيط والتنظيم والتنفيذ والتقييم، أي اتباع أسلوب المشروع؛
• يعوده على العمل التعاوني والتكاملي، والجماعي؛
• يربي فيه روح الفريق، وتوثيق العلاقات الاجتماعية الودية؛
• ينمي فيه ملكات الصبر والمثابرة في جمع المعلومات، ودراسة الفرضيات، واقتراح الحلول، وعدم التسرع في إصدار الأحكام الجاهزة والانطباعات السلبية؛
• ينمي في المتعلمين الحس النقدي، والروح الرياضية المنفتحة، فيتقبلون الملاحظات، والاقتراحات من بعضهم بمسؤولية ورحابة صدر؛
وفي الأخير نقول بأن العمل بعقلية الفريق ينتج شخصية منفتحة، واثقة، مبادرة، مبدعة، تتميز بالتواضع العلمي، وتتسم بالموضوعية، واحترام الاخر، وبالتالي قادرة على مواجهة تحديات الحياة بمنهجية علمية تحقق اثارا إيجابية، وتساهم في التنمية.