كثيرة هي “الحقائق” التي تعيش معنا و نتعايش معها على أنها مسلمات لا جدال فيها، فتستمر في فتكها بخيوط حياتنا اليومية مستغلة التراب و الرماد الذي تذره في أعيننا،دون استحياء .
من قبيل تلك الحقائق ما ورثناه من قول أريد به تعزيز الباطل و إضعاف الحق، مفاده أن المنحة الطلابية يجب أن تدفع فقط لذوي الدخل المحدود ! أرى أن هذا القول لا يستقيم لا في الشكل و لا في المضمون ، وبعيد كل البعد عن قواعد الوطنية و تقسيم الثروة و التحفيز و تشجيع التميز و تثمين الإنجازات، و يشكل وصمة عار على الذين يؤمنون به و يسنون قوانينه و يروجون له، ثم يطبقونه .
لا يختلف العقلاء في كون المنحة الجامعية هي جزاء و حق قبل أن تكون هبة و منا ً. هي ليست فقط جزاء لمثابرة التلاميذ لسنة دراسية متواصلة ومكثفة (الثانية باكالوريا) — التي يبجلها الإعلام لشهور و تتجند لها الحكومة و البرلمان ووزارتي التربية الوطنية و الداخلية على الخصوص– بل هي مكافأة لمشور دراسي خاص و استثنائي قد هيأ التلميذ لمرحلة جامعية بما يحمله الإسم من دلالات و معاني. فلماذا إذن تتعمد “البورجوازية” هاهنا قلب الأمور و دفن الطالب في ركام “ثروات أبيه ” ؟ هل الوالدين هما المعنيين بهذا المسار التعلمي وبالتالي ليسا في حاجة إلى مكافأة ماداما منشغلان بشيئ غير الدراسة و التعلم؟
ثم متى كانت الثروة المتواضعة “جريمة” تحتاج إلى القصاص؟ هل جزاء كل موظف و مثابر يسعى و راء الرزق أن يحرم إبنه أو إبنته من مال المنحة التي قد تكون شبيهة بحليب الوطن؟ ثم كيف نريد أن نربط الناشئة بوطنها ووطنيتها وقد وجدنا الجرأة أن نصيح في وجه شريحة من الشرائح التي تشكل الحلقة الأضعف في نسيج المجتمع المغربي ” إبتعدوا عن وجوهنا فأنتم الفحشاء ، ورذيلتكم التي تشتركون فيها مع آبائكم أن دخلكم يفوق ثلاثين ألف درهم سنويا !” فهل حقا أن هذا الدخل يظل صافيا، موضوعا فوق رفوف خزينة الأسرة أم أنه سيولة سنوية تواجه بها الأسر حاجياتها الإقتصادية اليومية؟ فكيف لمن حرموا من واحد من حقوق المواطنة أن يشفق على هذا الوطن؟ هل يعتقد المسؤولون أن شبابنا يشرب الوطنية من قنينات الكوكاكولا، و يتلذذ بحب الوطن من خلال لعق كؤوس دانون؟
أين يمكننا أن نصنف جرأة المغرب على حرمان جميع أبنائه المتفوقين في امتحانات الباكالوريا من حقهم في المنحة الوطنية، التي لن تكون إلا لحظية (ثلاث سنوات)،ولن تكون أبدية كإكراميات رخص النقل و معاشات البرلمانيين ؟ هل هو تدبير جيد و معقلن لمالية الدولة ؟ أم أنه تفعيل لمبدأي الشفافية و الديموقراطية ؟هل هناك مبررا منطقيا أصلا لهذا الأمر ؟ إن كان الأمر كذلك، أين نحن من المنح التي ترصد لأبناء المحضوضين الذين ترسلهم الدولة للمدارس العليا الفرنسية، ومن المنح التي يفوز بها المتفوقون من أبناء مؤسسة الأعمال الإجتماعية للتربية و التكوين؟ أين نحن من رواتب الوزراء و المدراء الكبار ؟ و أين نحن من باقي أوجه تبذير المال العمومي في مهرجانات الناي و البندير ؟
بواعث هذه الآلام هو ما تناهى لعلمي من حالات الإحباط و السخط الذي عم مجموعة من الأسر القروية بإقليم تاونات، ومنهم تلاميذ و تلميذات تتلمذوا على أيدينا ،و قد قدرنا فيهم جدهم و اجتهادهم و عزمهم على أن يكونوا خير خلف لخير سلف، لكنهم تركوا لمدينة فاس تفعل فيهم ما تشاء، ليس لشئ جلل، و إنما لكون الأولى أبوها بائع دجاج، و الثاني ولي أمره تاجر تمر و تين !
فرغم أن إمتحان الباكالوريا أريد له أن يكون وطنيا و موحدا، إلا أن نتائجه أريد لها أن تلد للبعض مالا و منحا، و للباقي بردا و محنا.
الوطن، 09 نونبر 2014 – 15 محرم 1436.
من قبيل تلك الحقائق ما ورثناه من قول أريد به تعزيز الباطل و إضعاف الحق، مفاده أن المنحة الطلابية يجب أن تدفع فقط لذوي الدخل المحدود ! أرى أن هذا القول لا يستقيم لا في الشكل و لا في المضمون ، وبعيد كل البعد عن قواعد الوطنية و تقسيم الثروة و التحفيز و تشجيع التميز و تثمين الإنجازات، و يشكل وصمة عار على الذين يؤمنون به و يسنون قوانينه و يروجون له، ثم يطبقونه .
لا يختلف العقلاء في كون المنحة الجامعية هي جزاء و حق قبل أن تكون هبة و منا ً. هي ليست فقط جزاء لمثابرة التلاميذ لسنة دراسية متواصلة ومكثفة (الثانية باكالوريا) — التي يبجلها الإعلام لشهور و تتجند لها الحكومة و البرلمان ووزارتي التربية الوطنية و الداخلية على الخصوص– بل هي مكافأة لمشور دراسي خاص و استثنائي قد هيأ التلميذ لمرحلة جامعية بما يحمله الإسم من دلالات و معاني. فلماذا إذن تتعمد “البورجوازية” هاهنا قلب الأمور و دفن الطالب في ركام “ثروات أبيه ” ؟ هل الوالدين هما المعنيين بهذا المسار التعلمي وبالتالي ليسا في حاجة إلى مكافأة ماداما منشغلان بشيئ غير الدراسة و التعلم؟
ثم متى كانت الثروة المتواضعة “جريمة” تحتاج إلى القصاص؟ هل جزاء كل موظف و مثابر يسعى و راء الرزق أن يحرم إبنه أو إبنته من مال المنحة التي قد تكون شبيهة بحليب الوطن؟ ثم كيف نريد أن نربط الناشئة بوطنها ووطنيتها وقد وجدنا الجرأة أن نصيح في وجه شريحة من الشرائح التي تشكل الحلقة الأضعف في نسيج المجتمع المغربي ” إبتعدوا عن وجوهنا فأنتم الفحشاء ، ورذيلتكم التي تشتركون فيها مع آبائكم أن دخلكم يفوق ثلاثين ألف درهم سنويا !” فهل حقا أن هذا الدخل يظل صافيا، موضوعا فوق رفوف خزينة الأسرة أم أنه سيولة سنوية تواجه بها الأسر حاجياتها الإقتصادية اليومية؟ فكيف لمن حرموا من واحد من حقوق المواطنة أن يشفق على هذا الوطن؟ هل يعتقد المسؤولون أن شبابنا يشرب الوطنية من قنينات الكوكاكولا، و يتلذذ بحب الوطن من خلال لعق كؤوس دانون؟
أين يمكننا أن نصنف جرأة المغرب على حرمان جميع أبنائه المتفوقين في امتحانات الباكالوريا من حقهم في المنحة الوطنية، التي لن تكون إلا لحظية (ثلاث سنوات)،ولن تكون أبدية كإكراميات رخص النقل و معاشات البرلمانيين ؟ هل هو تدبير جيد و معقلن لمالية الدولة ؟ أم أنه تفعيل لمبدأي الشفافية و الديموقراطية ؟هل هناك مبررا منطقيا أصلا لهذا الأمر ؟ إن كان الأمر كذلك، أين نحن من المنح التي ترصد لأبناء المحضوضين الذين ترسلهم الدولة للمدارس العليا الفرنسية، ومن المنح التي يفوز بها المتفوقون من أبناء مؤسسة الأعمال الإجتماعية للتربية و التكوين؟ أين نحن من رواتب الوزراء و المدراء الكبار ؟ و أين نحن من باقي أوجه تبذير المال العمومي في مهرجانات الناي و البندير ؟
بواعث هذه الآلام هو ما تناهى لعلمي من حالات الإحباط و السخط الذي عم مجموعة من الأسر القروية بإقليم تاونات، ومنهم تلاميذ و تلميذات تتلمذوا على أيدينا ،و قد قدرنا فيهم جدهم و اجتهادهم و عزمهم على أن يكونوا خير خلف لخير سلف، لكنهم تركوا لمدينة فاس تفعل فيهم ما تشاء، ليس لشئ جلل، و إنما لكون الأولى أبوها بائع دجاج، و الثاني ولي أمره تاجر تمر و تين !
فرغم أن إمتحان الباكالوريا أريد له أن يكون وطنيا و موحدا، إلا أن نتائجه أريد لها أن تلد للبعض مالا و منحا، و للباقي بردا و محنا.
الوطن، 09 نونبر 2014 – 15 محرم 1436.
بقلم عبد الله عزوزي
إرسال تعليق