العماري سيموح * |
الاثنين 29 يونيو 2015
أولا : طرح الاشكالية ؟
الهاجس الذي يؤرق المدارس الخاصة للتربية والتعليم هو نسبة النجاح ، حيث أن الجميع يريد الوصول الى النسبة 100% أولا ... وثانيا تحقيق أكثر ما يمكن من الميزات ... قد يبدو الأمر عاديا ومطلوبا في إطار التنافس بين المؤسسات التعليمية حيث من المفروض أن تعمل كل مؤسسة ما في وسعها لتحقيق هذا الهدف ... وتتجلى مصلحة المؤسسات في كسب شهرة أكثر وثقة أكبر من طرف أولياء التلاميذ بالخصوص حتى تتمكن من استقطاب أكبر عدد ممكن من التلاميذ ... وتعمل على اختيار أجود العناصر بواسطة " اختبارات الدخول" لتحقيق المزيد من التألق... وهكذا دواليك ...
غير أن الإشكال المطروح هو أن معظم التلاميذ الناجحين من بعض هذه المدارس ولو بالميزة ... تجدهم غير قادرين على الولوج للمدارس أو المعاهد التي كانوا يرغبون فيها وخصوصا تلك التي يكون فيها الاستقطاب محدودا ... ويكون مصيرهم هو إما التسجيل في الجامعة وإما اللجوء لإحدى المدارس الخاصة لاستكمال دراستهم ... وهذا يعني بداية معانات جديدة ومكلفة للآباء من الناحية المادية مع ضبابية في استشفاف المستقبل الغامض ...
فما هي إذن الأسباب الكامنة وراء كل هذا التهافت الذي لا يوصل الى أي هدف ؟
هناك مدارس ومدارس
لا يمكن جمع المدارس الخاصة للتعليم في سلة واحدة فهي تختلف باختلاف فضاءاتها و تجربتها وفلسفة إداراتها و نوعية التلاميذ الذين يلجونها ... الخ ... وهي بشكل عام تختلف باختلاف التلاميذ الموجودين في المجتمع حيث في آخر المطاف كل واحد من التلاميذ يبحث ويجد بالضرورة المدرسة التي تلائمه وكل مدرسة تتصرف وتحصل على مواصفات التلاميذ الذين ترغب فيهم ... وتعرف المدارس الخاصة "حركة انتقالية سنوية" إما بشكل إرادي أو قسري ... فهناك من التلاميذ من يكون مرغما على مغادرة المدرسة الخاصة التي يدرس بها حيث ترفض معظم المدارس مثلا إعادة تسجيل تلميذ بالأولى باك علوم إن هو حصل على "نقطة ضعيفة" في الأختبارات الجهوية حيث تعتبر المدرسة أن هذا الأخير سيكون عبئا عليها و سببا محتملا يمنعها من تحقيق نسبة 100% أو أن نسبة حصوله على ميزة تكون ضعيفة ... علما أن مفهوم "النقطة الضعيفة" مفهوم نسبي ويختلف باختلاف المدارس ... وهناك من التلاميذ من يفضل تغيير المدرسة باختياره لمدرسة أخرى " أكثر جودة " والتي غالبا ما تتطلب منه اجتياز "اختبار القبول" وهناك من يفضل تغيير مدرسته بمدرسة أخرى "أقل جودة" والسبب هو أن احتمال النجاح وربما الحصول على ميزة يكون أيسر في هذه المدارس الجديدة بالإضافة الى أن ولوجها لا يتطلب اجتياز "اختبار القبول" ...
إذن وكما قلت سابقا فإن "رقعة الشطرنج" تتغير باستمرار داخل المدارس الخاصة حيث في النهاية يستقر كل واحد في المكان الذي يلائمه كما أن كل مدرسة تحصل على التلاميذ المنسجمين نسبيا مع تصورها وسياستها ...
تختلف المدارس والنتيجة واحدة 100% !
رغم هاته الاختلافات فالكل يعمل بأسلوبه الخاص للحصول على النسبة 100% ... ثم تحقيق أكثر ما يمكن من الميزات ... فما هي الأسباب والأساليب التي تمكن هؤلاء المدارس من الوصول أو الطموح الى تحقيق هذا الهدف ؟
المدارس ذات الجودة العالية :
غالبا ما تتوفر هذه المدارس على بنيات تحتية ضخمة وتجهيزات كافية وتحتوي على معظم الشعب العلمية والاقتصادية وتتمتع بتجربة رائدة في مجال الادارة والتدريس وتختار أطرها بشكل جيد ... كما أن الحصيص l’effectif يكون مرتفعا جدا الشيء الذي يعطيها هامشا كبيرا من الحرية والمناورة في اختيار أحسن التلاميذ الوافدين من مؤسسات أخرى بواسطة " اختبارات الدخول" وفي نفس الوقت ... تكون هاته المؤسسات محصنة بقانون داخلي صارم يحدد حقوق وواجبات التلاميذ بشكل واضح ويسمح للمدرسة بعدم إعادة تسجيل التلاميذ الذين لم يحصلوا على معدل سنوي يفوق "معدل العتبة" moyenne de seuil ويكون محددا في القانون الداخلي ... الشيء الذي يجعل أولياء التلميذ -الطرف الأضعف في المعادلة- لا يبدون أية مقاومة عند مطالبتهم بترحيل أبنائهم بعيدا عن المؤسسة - ويستسلمون للأمر الواقع ...
تؤدي هذه الصرامة الى وعي التلاميذ بما هم مطالبون به ، فإما أن يكرسوا وقتهم للعمل الجاد ويحصلوا في النهاية على نتائج جيدة وإما أن يغيروا المؤسسة، قبل الوصول الى السنة الثانية بكالوريا ... لكن في المقابل فإن هاته المؤسسات وانطلاقا من حرصها على تحقيق نتائج جيدة وبالمجهود الفعلي لتلامذتها ... فإنها تعمل جاهدة لتوفير الأجواء الملائمة لتحقيق هذا الهدف ... حيث تعطى للمواد التي سيمتحن فيها التلميذ أهمية قصوى بإضافة ساعتين على الأقل في كل مادة ... كما توظف هذه المدارس مختلف أنواع التقويم كالفريضات والفروض العادية و الاختبارات التجريبية وتقوم بدراسة النتائج المترتبة عنها وتصنف التلاميذ بطريقة ما حسب التعثرات ... وبناء على ذلك تنظم حصصا للدعم يوم السبت صباحا أو الأربعاء بعد الزوال ... وتشتغل بعض هذه المدارس جزئيا حتى في أيام العطل من أجل تكثيف الدعم . كما تعمل على تنظيم أنشطة موازية لتجديد نشاط التلاميذ وإلهاب حماستهم ... وتعمل هذه المؤسسات على إشراك أولياء الأمور من خلال التواصل الدائم معهم بمختلف الطرق المتاحة ومطالبتهم أحيانا بتأدية واجبات مادية لتغطية الخدمات الإضافية ...
بهذه الاستراتيجية تستطيع هذه المدارس أن تجعل التلاميذ يحصلون على نتائج جيدة اعتمادا على أنفسهم ... وعادة ما يلج هؤلاء أحسن المعاهد دون مشاكل ويتابعون دراساتهم العليا بشكل جيد سواء داخل المغرب أو خارجه ...
المدارس ذات الجودة المتوسطة :
مواصفات المدرسة الخاصة ذات الجودة العالية هي بصفة عامة مواصفات تلتئم فيها جميع أسباب النجاح وقد ذكرنا أهمها ... ونعتبر أن أي نقص في جانب من الجوانب سيؤدي لا محالة الى تغرات تستفحل مع مرور الزمن ، وتؤثر على المردودية لدى العديد من التلاميذ ... وفي لحظة معينة من الزمن المدرسي ، يبدأ التلميذ في التراجع ... ويمكن أن يكون التراجع جزئيا أو شاملا ... أما أسبابه فليست هي نفسها بالنسبة لكل تلميذ ... وبدون الدخول في التفاصيل مايهمنا حاليا هو أنه كلما كانت لحضة تراجع التلميذ مبكرة كلما كانت المشكلة أخطر وكلما تأخر اكتشافها كلما أصبحت أكثر خطورة ... فإذا توافر عدد هام من هؤلاء التلاميذ ولم يحضوا بتتبع خاص من لدن المؤسسة وأولياء أمرهم لمعالجة المشكل قبل استفحاله ، تسقط المؤسسة في مشكل لن تستطيع التخلص منه بسهولة ويدخلها فيروس الكسل الذي سيستشري في أجزاء من جسم المؤسسة مما قد يؤدي الى ظهور سلوكات طفيلية في الأقسام كالتشويش وعدم الانظباط وعدم الاهتمام الخ ... بالطبع ستكون هناك تدخلات من أجل تقويم السلوكات خلال السنة الدراسية وربما تضطر الادارة الى التخلص من التلاميذ أصحاب السلوكات غير اللائقة لكنها لن تستطيع التخلص من جميع التلاميذ ذوي المردودية الناقصة لأسباب متعددة ومن أهمها الأمور المتعلقة بالمادة ... وتكون مجبرة على القبول بهؤلاء في صفوفها مع ضرورة ترحيلهم الى المستويات العليا بمعدلات منخفضة وربما "معدلة rectifiées " ... هنا تبدأ عمليات الغش الاضطراري شيئا فشيئا ...
رغم التصفيات التي يمكن ان تحدث ، لا بد أن يصل عدد من هؤلاء التلاميذ الى السنة الثانية بكالوريا وبمعدلات ضعيفة في الاختبارات الجهوية ... وسيحاول الكل أن يبذل مجهودا إضافيا لكن النقص الذي يعاني منه هؤلاء في الأمور الأساسية يحد من قابليتهم على اللحاق حتى بركب التلاميذ المتوسطين ... غير أن حضور هاجس النجاح بنسبة 100% لدى المؤسسة وأمام الإعاقة التي يشكلها هؤلاء التلاميذ أمام بلوغ الهدف المنشود ، فإن التفكير في استعمال وسائل الغش غير المشروعة ... يبقى واردا جدا ويتم اللجوء الى النفخ في معدلات المراقبة المستمرة ليس فقط لتغطية النقص المتوقع في الأختبارات الوطنية لكن كذلك لتغطية النقص السابق في الأختبارات الجهوية ..
ومع ذلك تحقق هذه المدارس نسبة 100% .
المدارس غير المصنفة :
يجب على الكل أن يعلم أن جيش الكسلاء جيش جرار وأن العدد الذي يتم رفض إعداة تسجيله في المدارس الأصلية كبير ونظرا لطبيعة هؤلاء التلاميذ الذين ينتمون في غالبيتهم الى الطبقة المتوسطة فما فوق ... فإنهم غالبا ما لا يتوجهون الى التكوين المهني ... وإنما يفضلون البحث عن مدرسة " على قد الحال " المهم أن تستوعبهم وتتفهم مشاكلهم وتعمل على حلها ب " أساليب مناسبة " ... بطبيعة الحال هناك من هو مستعد لفتح مدرسة لخدمة هؤلاء " الزبناء " ... هي فرصة ...
هذه المدارس موجودة وتستقبل هؤلاء التلاميذ الذين يعانون من كل النقائص ... وطبعا ليس امامها حلول غير نفخ النقط "بشكل احترافي ومتقون " ... في النهاية يعلقون سبورة الدعاية والنجاح بنسبة 100% . وقد اعترف وزير التعليم السابق بوجود هذا النوع من المدارس وقال أنه يعرفها ووعد بمحاربتها ... لكنه لم يفعل شيئا ... كما أقر وزير التعليم الحالي السيد بلمختار من داخل البرلمان في الأيام الأخير عند إجابته عن قضية تسريب الاختبار الوطني لمادة الرياضيات الدورة الاولى 2015 أن هناك نوع من الغش يمارس داخل بعض المؤسسات التعليمية وهو " النفخ في نقط المراقبة المستمرة"
خلاصة : تغطية الشمس بالغربال :
سألت صاحب مدرسة خاصة حينما عبر عن متمنياته بتحقيق نسبة 100% في النجاح ... هل من الضروري أن تكون هذه النسبة علما أن هناك تلاميذ لا يستحقون النجاح ؟... أضف الى ذلك أنهم لن يفعلوا شيئا مهما ولو نجحوا نظرا لمستواهم الضعيف !... فقال : أؤكد لك أني مقتنع برأيك هذا... لكن للآباء رأي آخر ...
هسبريس
* مفتش ممتاز لمادة الرياضيات سابقا
ammari1042@gmail.com
إرسال تعليق