إنصاف الشراط * |
يعتبر التعليم بكل مستوياته من المقومات الأساسية لأي مجتمع يطمح إلى تحقيق الرقي الاقتصادي والاجتماعي وإلى تغيير العقليات المتخلفة السائدة بجل دول العالم الثالث، بحيث لعب التعليم دورا محوريا وأساسيا في تحقيق الرقي بالدول المتقدمة، لإيمان صناع القرار بهذه الدول بأن الطريقة التي يتم تعليم الأطفال بها تحدد نوعية المجتمع الذي نطمح إلى بنائه.
وإذا كان التعليم بالمستويات الصغرى والمتوسطة يشكل نقطة الانطلاقة في تكوين مواطن الغد، فإن التعليم العالي يلعب دورا أكبر في رقي الشعوب والأمم لارتباطه بشكل مباشر بالبحث العلمي الذي يعتبر الجواب الأساسي لمواجهة مختلف الأزمات التي تعرفها المجتمعات المعاصرة، ونظرا لكونه البوابة الحقيقية لتلبية متطلبات التنافسية الاقتصادية لكل المجتمعات من خلال بناء الصناعات القائمة على المعرفة.
ورغم المكانة الاستراتيجية التي يلعبها التعليم عموما والتعليم العالي على وجه الخصوص فإن الجامعة المغربية تعيش تدهورا خطيرا على جميع الأصعدة حيث يسهل الجزم من خلال قراءة بسيطة للمؤشرات المرتبطة بتعليمنا العالي على أن أزمة الجامعة المغربية وصلت مستويات غير مقبولة، بل الأكثر من ذلك فهناك إجماع وطني على أن الجامعة المغربية تشكل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.
ولأن كل الفاعلين يجمعون على أن تعليمنا العالي يعيش أزمة خانقة، فإن المواطن المغربي لم يجد التبريرات المناسبة لعدم الاسراع في إصلاح منظومة التعليم عموما والتعليم العالي على وجه الخصوص، إصلاح ينطلق من إشراك جميع الفاعلين من دولة وهيئات نقابية ومجتمع مدني وخبراء... في عملية الاصلاح بعيدا عن إملاءات المنظمات الدولية، التي يبقى همها الأول هو الابقاء على بلادنا زبونا أساسيا للقروض التي تقدمها هذه المنظمات بنسب فوائد عالية.
إن الخوض في الاشكالات التي تعيشها الجامعة المغربية بشكل عام وفضفاض، يحجب عنا التعرف على مختلف العراقيل التي تواجه الطلبة عموما والطالبات على وجه الخصوص في مسلسل بحثهم عن العلم والمعرفة، حيث أن الطالبة المغربية لكي تواصل دراستها العليا فإنها تحكم على نفسها بمواجهة العديد من المشاكل والصعوبات التي تجد أسبابها في عدم تحمل الدولة مسؤوليتها في تكريم العلم وطلابه وطالباته.
فبمجرد حصول الفتاة المغربية على شهادة البكالوريا، تجد نفسها مطالبة بالبحث عن مؤسسة تعليمية تلبي طموحها وتحقق أحلامها في ظل القصور الكبير الذي يعرفه نظام التوجيه التعليمي ببلادنا، ومطالبة بالتنقل إلى المدينة الجامعية الأقرب أو إلى المدينة التي تحقق لها مطلب السكن سواء لدى الأهل أو بالحي الجامعي نظرا لعدم قدرة الأحياء الجامعية المتوفرة على استقبال نسبة محترمة من الطالبات المنتميات للأسر الفقيرة والمعوزة ونظرا لما تعيشه هذه المؤسسات الاجتماعية من زبونية ومحسوبية وانتشار لظاهرة الرشوة.
وبحكم طبيعتهن فإن الطالبات هن الأكثر تضررا من الوضعية الكارثية التي يعيشها النقل ببلادنا والحالة المزرية لمعظم حافلات النقل الحضري بكل المدن الجامعية، بحيث تتعرض الطالبات لمجموعة من الممارسات الغير إنسانية والغير أخلاقية بسبب الازدحام الكبير، خصوصا إذا ما علمنا أن معظم المدن الجامعية المغربية لا تتوفر على نقل خاص بالطلبة.
وحتى في حال صمود الطالبة المغربية في مواجهة هذه الظروف وأخرى، ونجاحها في نيل شهادة الإجازة فإنها تجد نفسها مرة أخرى تخوض معركة جديدة من أجل التسجيل بسلك الماستر وحربا أخرى في سلك الدكتوراه، حيث أصبح التسجيل بهذه الوحدات أهم بكثير من النجاح فيها عند نهاية التكوين، وهو ما يجعل الطالبات عرضة لكل أشكال الاستغلال والتحرش في مقابل الحصول على مقعد في وحدة من وحدات التكوين في سلك الماستر والدكتوراه.
ورغم كل هذه الاكراهات ذات الطابع الخاص التي تواجه مسلسل بحث الشابة المغربية عن العلم والمعرفة، فإنها أصبحت أكثر تفوقا في دراستها مقارنة بالشباب الذكور بسبب إصرارها على تحقيق مكانة متميزة داخل المجتمع لتجاوز النظرة النمطية التي تعتبر الشابات ربات بيوت فقط، إضافة إلى ذلك فإن الشابة تدرك أنها كلما ازدادت علما كلما ارتقت اجتماعيا وهو ما يحقق رفاهيتها ورفاهية عائلتها.
إن محاولة البعض التقليل من هذه الظاهرة التي أصبحت تعرف انتشارا واسعا بكل دول العالم، وتفسير هذا التفوق بتراجع مستوى الذكور على مستوى التحصيل العلمي الذي ترك المجال لبروز الشابات أو بالزيادة العددية للفتيات داخل المجتمع مقارنة بالذكور، هي محاولة يائسة تستهدف الشابة والمرأة من أجل محاولة التأثير على عزمها وإصرارها على مواصلة مسيرتها النضالية في كل مناحي الحياة من أجل تحقيق مجتمع العلم والمعرفة، إنها تبريرات لا تجد لها تفسيرا على مستوى الواقع سوى أن الشابة عموما والمغربية على وجه الخصوص مجدة ومجتهدة.
ونظرا لكل هذه المعطيات الاجتماعية والإحصائية والعلمية، فإن الدولة المغربية مطالبة بتوفير بنيات تحتية لاحتضان التلميذات والطالبات ومواكبتهن بإجراءات عملية بغية توفير ظروف ملائمة للتحصيل العلمي والمعرفي لفائدتهن، إن المطالبة بمنح الشابة المغربية مكانة خاصة داخل المؤسسات التعليمية، لا يعني في أي حال من الأحوال أن الذكور من أبناء الوطن يتمتعون بظروف أحسن داخل المؤسسات التعليمية، بل يعني أن التلميذ أو الطالب أكثر قدرة على مواجهة بعض الصعوبات والإكراهات التي يفرضها السعي وراء العلم والمعرفة ببلادنا.
إن دخول المغرب إلى عهد جديد، عهد يؤطره دستور 2011، يجعلنا كمغاربة نرفض بشكل كلي كل المحاولات البائسة التي تستهدف الطفلة والشابة والمرأة المغربية من خلال التنقيص من قدراتها أو احتقارها أو نعثها ببعض النعوث التي لا تليق بها، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد منح للمرأة بشكل عام مكانة مميزة وخاصة، فإن أي اعتداء على حقوق هذه الفئة الفاعلة داخل المجتمع يعتبر تجاوز للدين الاسلامي الحنيف.
- * الكاتبة العامة لمنظمة فتيات الانبعاث
هسبرس
إرسال تعليق