GuidePedia

0


مقدمة:
تعتبر المدرسة مجتمعا مصغرا تتناغم ثقافة ساكنته والثقافة  الاجتماعية السائدة المنبثقة من قلب المجتمع سلوكا ومعاملات لتساهم وبشكل فاعل في صناعة وتشكيل الإنسان الذي نريد، ضمن الإطار العام للمجتمع.
وتحرص المدرسة على زرع القيم الإنسانية والتطوير والتعديل وتهذيب السلوك ضمن أطر المنظومة الأخلاقية للمجتمع، كما أنها تعمل على إعداد الفرد المتوازن تربويا وأخلاقيا، ليكون مواطنا صالحا نافعا لنفسه ولمجتمعه، ومساهما في رقيه وتقدمه.
وقد أوجد المجتمع المدرسة لتحقيق أهداف وغايات نبيلة. والمدرسة هي الحلقة الثانية بعد الأسرة حيث تمد المجتمع بالطاقات البشرية المؤهلة والمدربة. والمدرسة مؤسسة تربوية تتجلى أدوارها الأساسية في تنمية شخصية المتعلم في جميع جوانبها الجسمية والعقلية والنفسية والانفعالية والاجتماعية والروحية والأخلاقية، بصورة متكاملة، ومساعدة الفرد على الاندماج في الحياة العملية، والتكيف مع الثقافة الاجتماعية قيما وأعرافا وعادات. وحيث يفد على المؤسسة التعليمية أفراد كثر، تلاميذ وأطر إدارية وتربوية يختلفون باختلاف مشاربهم وبيئتهم الاجتماعية والثقافية، فما طبيعة المفردات والسلوكات الصادرة عن التلاميذ داخل المؤسسة التعليمية؟ وكيف يراها الأطر الإدارية  والتربوية؟ وكيف يتعاملون مع التلاميذ؟ وعلى أي أسس معيارية يصدرون أحكاما حول التلاميذ؟ وما هي الآثار التربوية والنفسية والثقافية لهذه الأحكام على التلاميذ ؟  وكيف يمكن تقنين وتوحيد المعاملات والسلوكات بين أفراد الساكنة المدرسية؟
سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة المؤطرة لإشكالية الخصوصيات الشخصية والثقافية للأطر الإدارية والتربوية وأثرها على التلاميذ في ظل تفسيرات وتأويلات شخصية ومتباينة لنفس السلوك صدر عن نفس التلميذ باستعماله مفردات وقيامه بممارسات، استنادا إلى  الواقع التربوي والتعليمي ومعاينة السلوكات الصادرة عن التلاميذ وتفاعلهم داخل الوسط المدرسي، وذلك من خلال الفقرات التالية:
1.   تباين سلوكات التلاميذ:
حيث الإنسان ابن بيئته، فإن التلاميذ يختلفون باختلاف أوساطهم الأسرية والاجتماعية، فيتشبعون منذ اللحظات الأولى لإدراكهم الكلمة والحركة والإيماء بثقافة الوالدين التي يتأثرون بها ويعتقدونها ويِؤمنون بمضامينها، من شدة التكرار والأمر والنهي وترسيخ المفردات بجميع الوسائل، وزرع السلوكات والمعاملات على منوال ما يطبع الوالدين وأفراد الأسرة، فيكبر الأطفال ويترعرعون متمسكين بالطبع، ولا ينال منه التطبع شيئا، من كثرة التعلق بالأمهات والآباء، ولا يستطيعون التخلي عن نمط الثقافة الأسرية، الذي يصبح جزء لا يتجزأ من إيمانهم الروحي والسلوكي، معتقدين أن كل ميل عن هذا النمط يعتبر انحرافا مخالفا للتربية الأسرية، وعقوقا للوالدين كما يرن في آذانهم في كل مناسبة.
وهكذا ومنذ خطواتهم الأولى بالمسيد أو الجامع أو رياض الأطفال، تترسخ لدى الأطفال مفردات وكلمات وسلوكات ذات الصلة، من جهة، ببيئتهم الأسرية، ومن جهة أخرى، تتصل بأشكال وأنماط المعاملات داخل مؤسسات التعليم الأولي والوسط الاجتماعي، حيث المفردات والمعاملات والسلوكات تتباين وتختلف، باختلاف أصول وثقافة المربين والقائمين على خدمات التعليم الأولي، في غياب مصطلحات وقواميس وطرائق ومناهج التربية الأولية موحدة تقرب بين الحمولات الثقافية للأطفال لتعدهم لوسط مدرسي أكثر شساعة وتشعبا للممارسات السلوكية.
وتحت تأثير الثقافة الأسرية، ومن شدة التشبث بنمط وأسلوب تربية الوالدين، يختلف الأطفال اختلافات جوهرية أحيانا، إلى حد التناقض، من حيث الكلمات والمفردات والتعابير والتأويلات والتصورات والإنجازات وتنفيذ المطلوب والسلوكات والمواقف والهندام...، ما يخلق متاعب كثيرة على مستوى التعليم الأولي وعلى مستوى جميع الأسلاك الدراسية رغم مرور التلاميذ من مراحل تعليمية متعددة، وارتيادهم المؤسسة التعليمية مدة زمنية.


2.   تباين الأحكام الصادرة عن الأساتذة والإداريين:
لا يجادل اثنان أن تنوع الثقافات ثروة ونعمة، لكن سوء التفاعل والتعامل مع هذا التنوع يصبح نقمة. إن عدم معرفة المدرسين والأطر الإدارية تلامذتهم، نفسيا وتربويا وشخصيا وثقافيا، يشكل حاجزا أمام تواصلهم معهم، وأمام السير العادي للعملية التربوية، وأمام تقييم أعمال التلاميذ، وأمام مواكبة نموهم ومداركهم ومعرفتهم وتعلمهم، وأمام تعديل وتصويب سلوكاتهم، وأمام فهم شخصياتهم.
إن تشبث بعض المدرسين والإداريين بثقافتهم وخصوصياتهم الشخصية، يحدد مواقف صارمة من سلوكات التلاميذ، خصوصا عندما لا يبذلون جهودا لمعرفة خصوصيات تلامذتهم، من حيث المفردات والكلمات والتعابير الدخيلة التي يستعملونها والرائجة في صفوفهم، والتي تشكل رموز معاملاتهم وتعاملهم داخل محيطهم الاجتماعي  والثقافي. إن المفردات التي يستعملها الأطفال تبدو غريبة ضمن الوسط الأسري، حيث يعسر على الأمهات والآباء فهمها والتواصل من خلالها مع أبنائهم، فتتشكل مواقف لدى كل من الأمهات والآباء والمدرسين على حد سواء. وينجم عن هذه المواقف المتباينة، والثقافات الشخصية، قبول بعض المدرسين والإداريين، بهذه المفردات والتعامل بها حتى، وقبولهم بسحنة تلميذات تحت مساحيق التزيين، أو نوع حلاقة الرأس لدى بعض التلاميذ، أو هندام يتجلى في  السفور وعرى الصدور لدى بعض الفتيات، والسراويل ذات الثقوب، والأحذية المثيرة للانتباه شكلا وإحداثها  إزعاجا، وغير ذلك من التصرفات والمظاهر، ورفض البعض الآخر من المدرسين والأطر الإدارية، بشكل قطعي، هذه التصرفات وهذه المظاهر. والملموس، أنه يترتب على هذه الوضعيات والمواقف المختلفة، أحكام متعارضة ومتناقضة لدى المدرسين والإداريين، حيث منهم القابل ومنهم الرافض، ومنهم المؤيد ومنهم المعارض، فيجد التلاميذ أنفسهم بين المد والجزر، وبين التجاذب والتنافر، فكيف يمكنهم التعامل في ذات الآن مع المدرسين والإداريين القابلين والرافضين لمفردات وسلوكات معينة، والانسلاخ عن ثقافة محيطهم الأسري والاجتماعي، في ظل غياب تأطير تربوي وثقافي، أسريا كان أو اجتماعيا، مدرسيا كان أو إعلاميا ؟
إن أغلب المدرسين والإداريين يؤسسون أحكامهم على الجزء الظاهر من قطعة الجليد، جاهلين أو متجاهلين، أو لامبالين بما خفي، أو رافضين التعامل مع أي وضعية كانت في غياب نصوص تشريعية وقوانين داخلية تحدد السلوكات وتدقق الإجراءات،  ويجري تطبيقها بحذافيرها حسب الحالات المخلة، كانت مفردة دخيلة أو وضعية شاذة، وبشكل صارم وديمقراطي، حيث جميع التلاميذ سواسية أمام القانون، ضمانا للسلوك القويم، وسيادة القيم النبيلة، وحفاظا على السير العادي لمختلف الأعمال والعمليات بالمؤسسة التربوية والتعليمية.   
3.   أثر الأحكام الصادرة عن الأطر والتربوية على التلاميذ:
في ظل هذه الأوضاع المتباينة، والمواقف المختلفة، وتعارض الأحكام الصادرة عن الأطر الإدارية والتربوية حول التلاميذ، لعدم معرفتهم بهم تربويا وثقافيا، وعدم تدقيق، بشكل تربوي ومدرسي وقانوني، مختلف الألفاظ التي يستعملها التلاميذ والسلوكات الصادرة عنهم، وغياب قاموس المفردات التربوية والمدرسية الموحدة ذات الصلة بالثقافة الاجتماعية الأصيلة والمعاصرة، الضامنة لسلامة اللغة المستعملة، والمؤدية لرقي المجتمع وازدهاره، لتسهيل التواصل والتفاهم، ورفع اللبس والغموض اللذين يخيمان أحيانا على موضوع النقاش، ومناخ الحوار، إذ يمضي الإطار الإداري أو التربوي، أحيانا، وقتا طويلا لفك شفرة بعض الكلمات أو السلوكات الصادرة عن بعض التلاميذ، ما يؤدي، أحيانا، إلى اتخاذ إجراءات تربوية غير مناسبة لعسر التواصل، ولا تتلاءم ونوع الفعل الصادر عن التلميذ(ة)، الذي يشعر بحيف يمسه  وظلم ينال منه، فيبقى متشبثا ببراءته، معتبرا الإجراء التربوي عقوبات وتجاوزت غير مبررة، فيكبر الحقد في قرارة ذاته، ويتنامى موقف الكراهية والبغضاء في أحشائه، وتتحول جل السلوكات إلى عنف يمارسه التلميذ(ة) ضد الفضاءات المدرسية والعناصر البشرية، وقد يصبح التلميذ(ة)، لمرات متكررة، ضحية سوء فهم وتفاهم، فيدخل دوامة مقيتة، ويدور في حلقة مفرغة من الأفعال والسلوكات الخشنة والإجراءات التربوية المتوالية، ما قد يؤدي به إلى النفور من المدرسة، ومغادرته الأسلاك الدراسية.
4.   نحو تقنين السلوكات داخل المؤسسة التعليمية وتوحيد التأويلات والأحكام:   
 بالرغم من سن المشرع قانونا داخليا لضبط السلوكات والمعاملات بين الأطراف والشركاء داخل المؤسسة التعليمية، وتحديده حقوق وواجبات كل الأفراد من تلاميذ ومدرسين وإداريين وأمهات وآباء وأولياء التلاميذ، فإن تطبيقه يصطدم ببعض الحواجز والتأويلات لعدم مواكبته التغييرات الثقافية المتواترة، التي تغزو يوميا صفوف التلاميذ والوسط المدرسي، المتجلية في مفردات وسلوكات تبدو  للتلاميذ عادية، ويصنفها الأطر الإدارية والتربوية ضمن خانة الإخلال بالنظام والمس بالأخلاق وخدش الحياء داخل مرافق المؤسسة التعليمية. وعليه فالأمر يتطلب تجديد وتعديل محتويات القانون الداخلي، وصياغة مختلف فقراته في شكل ميثاق يترجم توافق مختلف الأطراف ثقافيا وتربويا وإداريا واجتماعيا، مع إدراج قاموس لغوي يشمل كلمات ومفردات تربوية ومدرسية محضة، ومنع استعمال كل لفظ دخيل يشوه لغة التدريس والتواصل الرسمية، ويؤثر سلبا على المناخ العام داخل الفضاءات التربوية والثقافية.
خاتمة:
تبدو الإجابة على الأسئلة التالية، من أهم مرتكزات أي إصلاح تعليمي:
·       التعليم الأولي: أي لغة؟ أي خطاب؟ أي برنامج؟ أي منهج؟
·       الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب: أي إسهام في المنظومة التربوية، لغة وثقافة؟
·       التلميذ(ة): أي مواصفات نريد أن تسم تلميذ(ة) اليوم، رجل وامرأة الغد؟

بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي مكناس، بتاريخ 18 يناير 2015.

إرسال تعليق

 
Top